فصل: قال التستري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويختلف مع الطريقة التي سار عليها الهنود في تحريم كل أنواع اللحوم على أنفسهم.
فقد أباح الإِسلام لحوم الحيوانات التي تتغذى على الأشياء الطاهرة التي لا تعافها النفس البشرية، وألغى الأساليب التي فيها طابع الإِفراط أو التفريط.
وقد عيّن الإِسلام شروطًا أبان من خلالها أنواع اللحوم التي يحلّ للإِنسان الإِستفادة منها، وهي:
1- لحوم الحيوانات التي تقتات على الأعشاب، أمّا الحيوانات التي تقتات على اللحوم فهي غالبًا ما تأكل لحوم حيوانات ميتة أو موبوءة، وبذلك قد تكون سببًا في نقل أنواع الأمراض لدى تناول لحومها، بينما الحيوانات التي تأكل العشب يكون غذاؤها سليمًا وخاليًا من الأمراض.
وقد تقدم أيضًا في تفسير الآية (72) من سورة البقرة بأنّ الحيوانات تورث صفاتها عن طريق لحومها أيضًا، فمن يأكل لحم حيوان متوحش يرث صفات الوحش كالقسوة والعنف، وبناء على هذا الدليل- أيضًا- حرمت لحوم الحيوانات الجلاّلة، وهي التي تأكل فضلات غيرها من الحيوانات.
2- أن لا تكون الحيوانات التي ينتفع من لحمها كريهة للنفس الإِنسانية.
3- أن لا يترك لحم الحيوان أثرًا سيئًا أو ضارًا على جسم أو نفس الإِنسان.
4- لقد حرمت الحيوانات التي تذبح في طريق الشرك في سبيل الأصنام، وأمثال ذلك لما فيها من نجاسة معنوية.
5- لقد بيّن الإِسلام أحكامًا خاصّة لطريقة ذبح الحيوانات لكل واحد منها- بدوره- الأثر الصحي والأخلاقي على الإِنسان. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشون} [3] يعني: فلا تخشوا الكفار في عبادتي واخشوني في اتباعهم، فقال: أعجز الناس من خشي من لا ينفعه ولا يضره، والذي بيده النفع والضر يخاطبه في قوله: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشون} [3]. اهـ.

.قال سيد قطب:

{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به...} الآية.
والميتة والدم ولحم الخنزير، سبق بيان حكمها، وتعليل هذا الحكم في حدود ما يصل إليه العلم البشري بحكمة التشريع الإلهي، عند استعراض آية سورة البقرة الخاصة بهذه المحرمات (ص156- ص 157 من الجزء الثاني من الظلال) وسواء وصل العلم البشري إلى حكمة هذا التحريم أم لم يصل، فقد قرر العلم الإلهي أن هذه المطاعم ليست طيبة؛ وهذا وحده يكفي. فالله لا يحرم إلا الخبائث. وإلا ما يؤذي الحياة البشرية في جانب من جوانبها. سواء علم الناس بهذا الأذى أو جهلوه.. وهل علم الناس كل ما يؤذي وكل ما يفيد؟!
وأما ما أهل لغير الله به، فهو محرم لمناقضته ابتداء للإيمان. فالإيمان يوحد الله، ويفرده سبحانه بالألوهية ويرتب على هذا التوحيد مقتضياته. وأول هذه المقتضيات أن يكون التوجه إلى الله وحده بكل نية وكل عمل؛ وأن يهل باسمه- وحده- في كل عمل وكل حركة؛ وأن تصدر باسمه- وحده- كل حركة وكل عمل. فما يهل لغير الله به؛ وما يسمى عليه بغير اسم الله (وكذلك ما لا يذكر اسم الله عليه ولا اسم أحد) حرام؛ لأنه ينقض الإيمان من أساسه؛ ولا يصدر ابتداء عن إيمان.. فهو خبيث من هذه الناحية؛ يلحق بالخبائث الحسية من الميتة والدم ولحم الخنزير.
وأما المنخنقة (وهي التي تموت خنقًا) والموقوذة (وهي التي تضرب بعصا أو خشبة أو حجر فتموت) والمتردية (وهي التي تتردى من سطح أو جبل أو تتردى في بئر فتموت) والنطيحة (وهي التي تنطحها بهيمة فتموت) وما أكل السبع (وهي الفريسة لأي من الوحش).. فهي كلها أنواع من الميتة إذا لم تدرك بالذبح وفيها الروح: {إلا ما ذكيتم} فحكمها هو حكم الميتة.. إنما فصل هنا لنفي الشبهة في أن يكون لها حكم مستقل.. على أن هناك تفصيلًا في الأقوال الفقهية واختلافًا في حكم «التذكية»، ومتى تعتبر البهيمة مذكاة؛ فبعض الأقوال يخرج من المذكاة، البهيمة التي يكون ما حل بها من شأنه أن يقتلها سريعًا- أو يقتلها حتمًا- فهذه حتى لو أدركت بالذبح لا تكون مذكاة. بينما بعض الأقوال يعتبرها مذكاة متى أدركت وفيها الروح، أيًا كان نوع الإصابة.. والتفصيل يطلب في كتب الفقة المختصة.
واما ما ذبح على النصب- وهي أصنام كانت في الكعبة وكان المشركون يذبحون عندها وينضحونها بدماء الذبيحة في الجاهلية، ومثلها غيرها في أي مكان- فهو محرم بسبب ذبحه على الأصنام- حتى لو ذكر اسم الله عليه، لما فيه من معنى الشرك بالله.
ويبقى الاستقسام بالأزلام. والأزلام: قداح كانوا يستشيرونها في الإقدام على العمل أو تركه. وهي ثلاثة في قول، وسبعة في قول. وكانت كذلك تستخدم في الميسر المعروف عند العرب؛ فتقسم بواسطتها الجزور- أي الناقة التي يتقامرون عليها- إذ يكون لكل من المتقامرين قدح، ثم تدار، فإذا خرج قدح أحدهم كان له من الجزور بقدر ما خصص لهذا القدح.. فحرم الله الاستقسام بالأزلام- لأنه نوع من الميسر المحرم- وحرم اللحوم التي تقسم عن هذا الطريق {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم}.
فالمضطر من الجوع- وهو المخمصة- الذي يخشى على حياته التلف، له أن يأكل من هذه المحرمات؛ ما دام أنه لا يتعمد الإثم، ولا يقصد مقارفة الحرام. وتختلف آراء الفقهاء في حد هذا الأكل: هل هو مجرد ما يحفظ الحياة. أو هو ما يحقق الكفاية والشبع. أو هو ما يدخر كذلك لأكلات أخرى إذا خيف انقطاع الطعام.. فلا ندخل نحن في هذه التفصيلات.. وحسبنا أن ندرك ما في هذا الدين من يسر، وهو يعطى للضرورات أحكامها بلا عنت ولا حرج. مع تعليق الأمر كله بالنية المستكنة؛ والتقوى الموكولة إلى الله.. فمن أقدم مضطرًا، لا نية له في مقارفة الحرام ولا قصد، فلا إثم عليه إذن ولا عقاب:
{فإن الله غفور رحيم}.
وننتهي من بيان المحرم من المطاعم لنقف وقفة خاصة أمام ما تخلل آية التحريم من قوله تعالى: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا}.
وهي آخر ما نزل من القرآن الكريم، ليعلن كمال الرسالة، وتمام النعمة، فيحس عمر رضي الله عنه ببصيرته النافذة وبقلبه الواصل- أن أيام الرسول صلى الله عليه وسلم على الأرض معدودة.
فقد أدى الأمانة، وبلغ الرسالة؛ ولم يعد إلا لقاء الله. فيبكي- رضوان الله عليه- وقد أحس قلبه دنو يوم الفراق.
هذه الكلمات الهائلة ترد ضمن آية موضوعها التحريم والتحليل لبعض الذبائح؛ وفي سياق السورة التي تضم تلك الأغراض التي أسلفنا بيانها.. ما دلالة هذا؟ إن بعض دلالته أن شريعة الله كل لا يتجزأ. كل متكامل. سواء فيه ما يختص بالتصور والاعتقاد؛ وما يختص بالشعائر والعبادات؛ وما يختص بالحلال والحرام؛ ومايختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية. وأن هذا في مجموعه هو «الدين» الذي يقول الله عنه في هذه الآية: إنه أكمله. وهو «النعمة» التي يقول الله للذين آمنوا: إنه أتمها عليهم. وأنه لا فرق في هذا الدين بين ما يختص بالتصور والاعتقاد؛ وما يختص بالشعائر والعبادات؛ وما يختص بالحلال والحرام؛ وما يختص بالتنظيمات الاجتماعية والدولية.. فكلها في مجموعها تكوّن المنهج الرباني الذي ارتضاه الله للذين آمنوا؛ والخروج عن هذا المنهج في جزئية منه، كالخروج عليه كله، خروج على هذا «الدين» وخروج من هذا الدين بالتبعية.
والأمر في هذا يرجع إلى ما سبق لنا تقريره؛ من أن رفض شيء من هذا المنهج، الذي رضيه الله للمؤمنين، واستبدال غيره به من صنع البشر؛ معناه الصريح هو رفض ألوهية الله سبحانه وإعطاء خصائص الألوهية لبعض البشر؛ واعتداء على سلطان الله في الأرض، وادعاء للألوهية بادعاء خصيصتها الكبرى.. الحاكمية.. وهذا معناه الصريح الخروج على هذا الدين؛ والخروج من هذا الدين بالتبعية.
{اليوم يئس الذين كفروا من دينكم}.
يئسوا أن يبطلوه، أو ينقصوه، أو يحرفوه، وقد كتب الله له الكمال؛ وسجل له البقاء.. ولقد يغلبون على المسلمين في موقعة، أو في فترة، ولكنهم لا يغلبون على هذا الدين. فهو وحده الدين الذي بقي محفوظًا لا يناله الدثور، ولا يناله التحريف أيضًا؛ على كثرة ما أراد أعداؤه أن يحرفوه؛ وعلى شدة ما كادوا له، وعلى عمق جهالة أهله به في بعض العصور.. غير أن الله لا يخلي الأرض من عصبة مؤمنة؛ تعرف هذا الدين؛ وتناضل عنه، ويبقى فيها كاملًا مفهومًا محفوظًا؛ حتى تسلمه الى من يليها. وصدق وعد الله في يأس الذين كفروا من هذا الدين!
{فلا تخشوهم واخشون}..
فما كان للذين كفروا أن ينالوا من هذا الدين في ذاته أبدًا. وما كان لهم أن ينالوا من أهله إلا أن ينحرف أهله عنه؛ فلا يكونوا هم الترجمة الحية له؛ ولا ينهضوا بتكاليفه ومقتضياته؛ ولا يحققوا في حياتهم نصوصه وأهدافه.
وهذا التوجيه من الله للجماعة المسلمة في المدينة، لا يقتصر على ذلك الجيل؛ إنما هو خطاب عام للذين آمنوا في كل زمان وفي كل مكان.. نقول: للذين آمنوا.
الذين يرتضون ما رضيه الله لهم من هذا الدين، بمعناه الكامل الشامل؛ الذين يتخذون هذا الدين كله منهجًا للحياة كلها.. وهؤلاء- وحدهم- هم المؤمنون.
{اليوم أكملت لكم دينكم. وأتممت عليكم نعمتي. ورضيت لكم الإسلام دينًا}.
اليوم.. الذي نزلت فيه هذه الآية في حجة الوداع.. أكمل الله هذا الدين. فما عادت فيه زيادة لمستزيد. وأتم نعمته الكبرى على المؤمنين بهذا المنهج الكامل الشامل. ورضي لهم {الإسلام} دينًا؛ فمن لا يرتضيه منهجًا لحياته- إذن- فإنما يرفض ما ارتضاه الله للمؤمنين.
ويقف المؤمن أمام هذه الكلمات الهائلة؛ فلا يكاد ينتهي من استعراض ما تحمله في ثناياها من حقائق كبيرة، وتوجيهات عميقة، ومقتضيات وتكاليف.
إن المؤمن يقف أولًا: أمام إكمال هذا الدين؛ يستعرض موكب الإيمان، وموكب الرسالات، وموكب الرسل، منذ فجر البشرية، ومنذ أول رسول- آدم عليه السلام- إلى هذه الرسالة الأخيرة. رسالة النبي الأمي إلى البشر أجمعين.. فماذا يرى؟.. يرى هذا الموكب المتطاول المتواصل. موكب الهدى والنور. ويرى معالم الطريق، على طول الطريق. ولكنه يجد كل رسول- قبل خاتم النبيين- إنما أرسل لقومه. ويرى كل رسالة- قبل الرسالة الأخيرة- إنما جاءت لمرحلة من الزمان.. رسالة خاصة، لمجموعة خاصة، في بيئة خاصة.. ومن ثم كانت كل تلك الرسالات محكومة بظروفها هذه؛ متكيفة بهذه الظروف.. كلها تدعو إلى إله واحد- فهذا هو التوحيد- وكلها تدعو إلى عبودية واحدة لهذا الإله الواحد- فهذا هو الدين- وكلها تدعو إلى التلقي عن هذا الإله الواحد والطاعة لهذا الإله الواحد- فهذا هو الإسلام- ولكن لكل منها شريعة للحياة الواقعية تناسب حالة الجماعة وحالة البيئة وحالة الزمان والظروف.
حتى إذا أراد الله أن يختم رسالاته إلى البشر؛ أرسل إلى الناس كافة، رسولًا خاتم النبيين برسالة للإنسان لا لمجموعة من الأناسي في بيئة خاصة، في زمان خاص، في ظروف خاصة.. رسالة تخاطب الإنسان من وراء الظروف والبيئات والأزمنة؛ لأنها تخاطب فطرة الإنسان التي لا تتبدل ولا تتحور ولا ينالها التغيير: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} وفصل في هذه الرسالة شريعة تتناول حياة الإنسان من جميع أطرافها، وفي كل جوانب نشاطها؛ وتضع لها المبادئ الكلية والقواعد الأساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان؛ وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان.. وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة الإنسان منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان؛ من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات، لكي تستمر، وتنمو، وتتطور، وتتجدد؛ حول هذا المحور وداخل هذا الإطار.